في قلب مدينة القدس، وعلى بعد 100 متر من المسجد الأقصى المبارك في منطقة باب السلسلة، يطل مبنى أثري يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي على حائط البراق وحي المغاربة، حجارته كانت شاهدة وعلى مدار مئات السنين على حقبات متتالية مرت على المدينة ابتداء بالعصر الأموي مرورا بالمملوكي والعثماني وانتهاء بزمن الاحتلال الإسرائيلي .
إنها المكتبة الخالدية التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب القديمة والمخطوطات المهمة والنادرة التي كانت لدى أبناء عائلة الخالدي.
في العام 1900 أسس الحاج راغب الخالدي المكتبة الخالدية بعدما لاحظ أن الكتب موزعة في بيوت أبناء عائلة الخالدي ويتم توارثها، فقام بتأسس المكتبة ليجمعها تحت سقف واحد خوفاً عليها من الضياع
يوجد في المكتبة 1209 مخطوطة تحتوي على نحو ألفي عنوان في مختلف العلوم، خط بعضها بأحبار ملونة وزينت بالزخارف والأشكال الهندسية. ومن بين هذه المخطوطات 200 مخطوطة إسلامية نادرة وفقا لـ د. عاصم الخالدي أحد أعضاء لجنة متولي أوقاف الخالدي.
إحدى هذه المخطوطات النادرة "منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر" التي يرجع تاريخها إلى نحو 800 عام، وتحديداً بعد سنوات من وفاة الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 1193 للميلاد.
هذه الواحة الثقافية التي تحفظ بين جدرانها وخزائنها التاريخ والحضارة العربية والإسلامية، عانت قبل سنوات نقصاً في الموارد المالية ناهيك عن حاجة المبنى والكتب الملحة للترميم وإعادة التجديد. ولتحقيق ذلك تواصل القائمون عليها مع "التعاون"، والتي بدورها استجابت لاحتياجات المكتبة إيماناً منها بأهمية هذا المكان الذي يحتوي جزء كبيرا من حضارتنا العربية في المدينة المقدسة.
يقول المدير الفني للمكتبة الخالدية د. خضر سلامة "بتمويل من الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي وبإشراف "التعاون" على مشروع لترميم المكتبة ينقسم إلى قسمين أحدهما ثقافي عبر توفير مصادر كتب وتطوير عمل المكتبة، والآخر معماري عبر ترميم مبنى المكتبة التاريخي. إن هذا الدعم مهم جدا لأنه يحافظ على ثراث بشري يدل على ثقافة المجتمع الفلسطيني المنتشرة في ذلك الوقت ويعمل على تطوير الموجودات لكي تستفيد منها الأجيال القادمة بالإضافة إلى المساعدة في نشر ما تحتويه المكتبة من مخطوطات ومصتادر ناردة".
في الجانب المعماري، وضعت "التعاون" خطة تنفيذية لترميم المكتبة الخالدية والملحق التابع لها، ووفقاً للمهندس بشار الحسيني، مدير مشاريع الترميم في "التعاون"، فقد تم تقسيم المشروع إلى ثلاث مراحل، إشتملت الأولى على مبنى المكتبة الرئيسي ويتوقع الإنتهاء من ترميمه شهر أيلول 2018، والمرحلة الثانية والتي تم الإنتهاء منها وشملت على ترميم الواجهة الرئيسية للمكتبة والتي تحوي على عناصر معمارية مميزة من خمسة عصور تاريخية. فيما سيبدأ العمل في المرحلة الثالثة في نهاية العام 2018 على تدعيم وتأهيل ملحق المكتبة الذي يعاني من مشاكل إنشائية من شقوق وتصدعات.
ويبين الحسيني أن مشروع ترميم المكتبة الخالدية يتم وفقا للمعايير العالمية، وذلك باستخدام مواد تقليدية ملائمة للمباني التاريخية وبحسب متطلبات المكتبة. وأضاف "تم العمل باستخدام منهجية الدراسة والتحليل التاريخي، والتوثيق التفصيلي للمبنى، والتشخيص وتحليل الوضع القائم، والتدخل من أجل الحفاظ على مكونات العناصر المعمارية وخاصة للواجهة الرئيسية من أجل الحفاظ على أصالة الممتلك المعماري".
أما المشروع الثقافي الذي قدمته "التعاون" فيشتمل على ترميم المخطوطات وشراء كتب جديدة وعمل صناديق ورفوف متحركة للكتب والمخطوطات، بالإضافة إلى العمل على فهرسة وتنظيم جديد لافتتاح المكتبة في فترات لاحقة، وكل ذلك بهدف إفادة أي باحث يهتم بتاريخ فلسطين بشكل عام وتاريخ القدس بشكل خاص".
وأعرب سلامة عن أمله في في الاستمرار بتقديم الدعم للمكتبة الخالدية كونها إحدى نفائس مدينة القدس، وشكر الصندوق العربي على دعمه السخي في المحافظة على المكتبة وتطوير عملها، وشكر التعاون التي عملت على ترميم المبني باحترافية عالية، وساهمت في تطوير عمل المكتبة، واختتم حديثه بالقول "ان هوية القدس هي هوية العرب والحفاظ عليها واجب من كل من يحترم ويقدر الحضارة والعلم والثقافة".