يرزيت – فلسطين: أطلقت مؤسّسة التعاون والمتحف الفلسطينيي، اليوم، كتاب "القدس المملوكيّة: تاريخ وعمارة" لمؤلّفه د. نظمي الجعبة، يرافقه معرض للقيّم إياد عيسى، بعنوان "القدس المملوكيّة"، مستوحى من فصول الكتاب، ويستند إليه في الفكرة والمحاور.
يشار إلى أنّ الكتاب صادر عن مؤسّسة التعاون، بتنفيذ وإشراف برنامج القدس لإعمار البلدات القديمة، وبتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
يتناول الكتاب الحقبة المملوكيّة التي بدأت بحلول منتصف القرن السابع الهجري (حوالي 658 ه/ 1260 م)، واستمرّت لأكثر من قرنين ونصف القرن، بزغ معها فجر نظام سياسي وثقافي وحضاري جديد. يسلّط الكتاب الضوء على تحوّل القدس إلى مدينة إسلاميّة خلال هذه الحقبة، وإزالة التأثيرات الحضاريّة التي تركها الفرنجة في الجوانب الدينيّة والمعماريّة والثقافيّة، ويشير إلى الجهود المملوكيّة التي جعلت من القدس نموذجًا بارزًا للحضارة المملوكية، متفوّقة بذلك على المدن المملوكيّة الأخرى في مصر وبلاد الشام. يقدّم الكتاب أيضًا دراسة شاملة عن الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة في القدس آنذاك، مستندًا إلى مصادر تاريخيّة ووثائق ونقوش أصليّة، ويسلّط الضوء على علاقة المماليك بالمدينة، وكيفيّة إدارتهم لها، بالإضافة إلى دراسة تعدّد الأديان فيها، وتخطيطها الحضري. ويولي الكتاب المسجد الأقصى أهميّة خاصّة، متتبّعًا عمليّات ترميمه وإعادة بنائه، والإضافات المعماريّة التي طرأت عليه.
بدوره، أوضح الدكتور نظمي الجعبة، مؤلّف الكتاب، أنّ "هذا أوّل كتاب يجمع بين التاريخ بأبعاده المختلفة والعمارة في القدس المملوكيّة، فهو يناقش بالتفصيل علاقة المماليك المركّبة بهذه المدينة، وسبل استعمالها في العلاقات الدوليّة"، وأضاف: "لقد نجح المماليك إلى حدّ بعيد في السيطرة على الهويّة الثقافيّة للقدس، مُبعدينها عن الهويّة الصليبيّة".
استوحي المعرض المرافق من فصول الكتاب، مستعرضًا أهمّ المباني المملوكيّة التي لا تزال قائمة حتّى اليوم، من مدارس ومساجد وخانات وحمّامات ومبانٍ سكنيّة وأوقاف، إذ تكشف هذه الملامح المعماريّة المتنوّعة عن خصوصيّة القدس المملوكيّة، وتناغمها مع التراث المحليّ وطابع المدينة، دون أن تفقد هويّتها الحضاريّة الأصيلة. كما يتيح المعرض فرصة الاطّلاع على أهمّ معالم القدس في ذلك العصر، عبر مجموعة من الصور والخرائط والمخطّطات.
وقال د. طارق امطيرة، مدير عام مؤسّسة التعاون: "يعتبر إطلاق كتاب 'القدس في العصر المملوكي: تاريخ وعمارة" ومعرض "القدس المملوكيّة" خطوة نوعيّة في توثيق تاريخ القدس، وإبراز معالمها الحضاريّة الفريدة. نحن في مؤسّسة التعاون نؤمن أنّ الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي الفلسطيني هو مسؤوليّة جماعيّة، وهذا الكتاب يمثّل إحدى الطرق التي نسعى من خلالها إلى تعزيز الهويّة الثقافيّة الفلسطينيّة، ومواجهة محاولات الطمس المستمرّة، ورسالة إلى العالم تقول إنّ القدس ستظلّ حاضرة بهويّتها المتجذّرة عبر التاريخ".
أشار قيّم المعرض إياد عيسى إلى أنّ "هذا المعرض يأتي مكمّلًا بصريًّا للكتاب، يعطي لمحة عامّة عن فصوله ومكوّناته، ويأخذنا في جولة بصريّة غالبًا ما تغيب عن النصّ، ليظهر الجانب الجمالي للعمارة المملوكيّة، بهدف تشجيع الناس على قراءة الكتاب الذي يسلّط الضوء على حقبة محوريّة في تاريخ القدس، ويشكّل فهمها مدخلًا مهمًّا للحفاظ على هويّة المدينة في ظلّ المحاولات المستمرّة لتغيير معالمها".
تبدأ فعاليّة إطلاق الكتاب من المتحف، ويستمرّ المعرض حتّى نهاية كانون الثاني 2025 في المتحف الفلسطيني، لينطلقا بعدها في جولة تشمل عدّة محطّات في القدس وبيت لحم ونابلس، بهدف تعميق وعي الجمهور بتاريخ فلسطين العريق وفنونها وثقافتها المتواصلة عبر العصور.
يأتي هذا الإطلاق في إطار المساعي المتواصلة التي يبذلها كل من المتحف ومؤسسة التعاون لتسليط الضوء على الموروث الحضاري الفلسطيني وحمايته من الاندثار، لا سيّما في هذه المرحلة الدقيقة التي تواجه فيها مدننا ومواقعنا التاريخيّة تحدّيات جسيمة تمسّ هويّتها ووجودها.
ويُذكر أنّ المتحف الفلسطيني جمعيّة غير حكوميّة ثقافيّة مستقلّة، مكرّسة لتعزيز ثقافة فلسطينيّة منفتحة وحيويّة على المستويَين المحلّي والدولي. يقدّم المتحف ويساهم في إنتاج روايات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها بمنظور جديد، كما يوفّر بيئة حاضنة للمشاريع الإبداعيّة والبرامج التعليميّة والأبحاث المبتكرة، وهو أحد أهم المشاريع الثقافيّة المعاصرة في فلسطين.
التعاون" مؤسسة أهلية غير ربحية تأسست في جنيف عام 1983 بمبادرة من شخصيات اقتصادية وفكرية فلسطينية وعربية. تُعد المؤسسة اليوم من أكبر المؤسسات العاملة في فلسطين ومخيمات اللاجئين في لبنان، حيث تصل خدماتها لأكثر من مليون فلسطيني سنوياً، نصفهم من النساء، باستثمار ما يزيد عن 920 مليون دولار منذ تأسيسها في تنفيذ البرامج التنموية والإغاثة في مناطق عملها.
تتواجد "التعاون" في فلسطين، الأردن، لبنان، سويسرا، وبريطانيا من خلال المؤسسة الشقيقة، وتعمل على تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في فلسطين ومخيمات اللاجئين في لبنان.